الخميس، 26 نوفمبر 2015

ضلع وانحنى



خُلِقتُ من ضلعك الذي انحنى كي يداريني 

فـ هَلاّ أخبرتَ قلبكَ أن يلين لعاصفتي كي يحتويني ؟!


وقف الفنان الراحل احمد ذكى فى مسلسل هو وهى - بطولة الراحلة سعاد حسنى - مغنيا شاكيا باكيا يصف المرأة بأنها غشاشة من ضلع اعوج  

وكلمات احمد ذكى ما هى صدى لافكار ومعتقدات عامة الناس من كون الست معوجّه لخلقها مما هو أعوج ومعووج 
وكذلك ما افترته اذهانهم ان الستات ناقصات عقل ودين ونسب ذلك زورا إلى كلام المبعوث رحمة للعالمين 
ولكن كما عبرت صولا بحكمة متناهية مختفية فى جدران النص مستترة به عن الضلع الذى انحنى كى يدارى إمرأته 
والحق هى ما شادت به حروفها ومعانيها 
فالله لم يخلقها من قطعة لحم أو من عظمة الفخد أو عظام الرقبة بل اختار لها استقامة رغم الميل من نوع فريد 
فما من شئ فى الوجود الا وفيه ميل وجزء من محيط الدائرة لا الخط المستقيم فالعالم كُرىُّ الشكل والأرض كرة وكذا الكواكب والمجرات فيها الميل والاستدارة ويبقى النسق القرآنى أشمل (والله من وراءهم محيط) والاحاطة كمال الاحتواء وهى لا يمكن تصورها لخط مستقيم فالاحتواء والاحاطة لما هو دائرى (أمن يبدوء الخلق ثم يعيده) دائرة مكتملة لعالم الدنيا فعندما يلتقيا طرفى الدائرة وتكتمل ينتهى طور البدء ويُختم عليه بختم الأبد فلا تكرار للخلق وان صحت الإعادة لكن بطور مختلف 
تعلمنا فى مدارسنا هندسيا ان اقصر مسافة بين نقطتين هى الخط المستقيم ويصح ذلك نظريا لكن بنفس النظرية نجد ان المسافات بين النقاط الأرضية فى الجو أقصرها طولا ومسافة على شكل منحنى لطبيعة الأرض الكروية وليست المستقيمة فطبيعة خطوط الملاحة الجوية فيها الميل والانحناء 

ولما كان لكل شئ بداية وأجله نهايه فلكل شئ طرفان ونقطتان نقطة بداية ونقطة نهاية يلتقيان سويا فكل شئ هالك الا وجهه ولا يصح هذا مع الخط المستقيم الذى ان حاولنه ربط بدايته بنهايته انتهينا الى شكل مائل دائرى أو كُرىّ 
(ان هذا صراطى مستقيما ) صراط الله المستقيم اتباع منهجه وشريعته وأحكامه الطريق ذاته مستقيم لا عوج فيه ولكن هذا الطريق المستقيم لا يصح وجوده واستقامته الا من خلالك انت ايها المائل فى سيرك اليه فأنت قد تميل الى نفسك واهوائك او ان قد تميل الى صاحب الطريق فى سيرك أو تميل الى الطريق دون اعتبارك للهدف والغاية وما ثم سيرا مستقيما لك فيه فالميل حادث وواقع حتى فى طريقك المستقيم 
ان الضلع الأعوج المائل اختلفت نشأته للحماية .. حماية الاحشاء فانحت الأضلُع لحماية الأحشاء والحوايا فليس من عيب فى الانحناء بل سمو فى القصد والغاية فقد انحنيت لاحنو ففى القاموس 
انحناء: ( اسم ) اِنحناء : مصدر إِنحَنَى
اِنحَنَى: ( فعل ) انحنى ينحني ، انْحَنِ ، انحناءً ، فهو مُنحَنٍ 

اِنْحَنَتْ أَغْصانُ الشَّجَرَةِ : اِعْوَجَّتْ ، مَالَتْ ، اِنْعَطَفَتْ 
 وفى مادة عطف 
عطَف إلى جاره : مال إليه وتوجّه ، تحوّل ناحيته  
عطَف على المسكين : أشفق وحنا عليه ، عامله برفق ولين ورقّة 
عَطَفَ اللَّهُ قَلْبَهُ وَبِقَلْبِهِ : جَعَلَهُ رَحِيماً ، عَطُوفاً 
فهذا الانحناء فى الخلق اورث الحنو فالضلع عاطف وحانى وحافظ وحامى للأحشاء 

خلق الله آدم مما نعلم واستخرج من ضلع آدم من القصيرى حواء فقصرت بذلك عن درجة الرجل  "وللرجال عليهن درجة" فما تلحق المرأة بالرجل لاختلاف الاحكام الناتجة عن اختلاف النشأة وكانت من الضلع للأنحناء الذي في الضلوع لتحنو بذلك على ولدها وزوجها فحنو الرجل على المرأة حنوه على نفسه لأنها جزء منه وحنو المرأة على الرجل كونها خلقت من الضلع والضلع فيه انحناء وانعطاف وعَمّرَّ الله الموضع الذي خرجت منه حواء فىى آدم بالشهوة إليها فحن آدم إليها حنينه إلى نفسه لأنها جزء منه وحنت إليه لكونه موطنها وأصل نشأتها فحب حواء حب الموطن وحب آدم حب نفسه ولذلك يظهر حب الرجل للمرأة ولا يخفيه وأُعطيت المرأة القوة المعبر عنها بالحياء في حب الرجل فقدرت واستطاعت الإخفاء لاختلاف النشأة

فصور الخالق البديع في ذلك الضلع جميع ما صوره وخلقه في جسم آدم فكانت نشأة جسم آدم في صورته كعمل الصانع فى الفخار اذ اخرج تمثالا من طين وكانت نشأة جسم حواء كما ينحته النجار من صور في الخشب فلما نحتها في الضلع وأقام صورتها وسواها وعدلها نفخ فيها من روحه فقامت حية ناطقة أنثى ليجعلها محلاً للزراعة والحرث لوجود الإنبات الذي هو التناسل فسكن إليها وسكنت إليه وكانت لباساً له وكان لباساً لها
فكان الحنو والحفظ والعطف وكانت حواء هى الحشا والجوى وفرط الهوى

هكذا نطقت صولا
خُلِقتُ من ضلعك الذي انحنى كي يداريني 

وقفت صولا شاردة عند مدلول ثانئى فى قصيدتها الطويلة ذات البيتين الوحيدين لترسم صورة عن العاصفة التى تحويها وعن دور الرجل أصل النشأة الذى تعين ان يمارس دوره بالانحناء الدائم واللازم لفرط عصف أُنثاه
وكأنها أرادات ونطقت وعبرت وحكت قصة طويلة من قديم الأزل لذا وجب تفسير الادراك الذى انطوت عليه الأحرف وهو ما لم يلزمها التعبير عنه كإدراك مستقل غير مقصود بسرد القصة التى لو التقطتها صولا فى ذواتها المتعددة لأخرجت الينا إلياذة فريدة عن الأصل والنشأة 

ليست هناك تعليقات: