وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) سورة النحل
ها هنا يضرب الله للكافرين مثلا بقرية (لم يسمى اسمها) كانت آمنة مطمئنة فى كفاية من الرزق ورغد من النعم فتحول بهم الحال من الامن والطمأنينة الى الخوف ومن رغد العيش والرزق الى الجوع .. تحول من القمة الى القاع من الوفرة النفسية والبدنية الى نقيض ذلك من الحرمان والخوف وذلك نتيجة لما كانوا يصنعون (؟؟؟) وزادوا الأمر انهم جاءهم رسول يدعوهم الى الله فكذبوه ونتيجة للتكذيب وعدم الايمان كان العذاب .. العذاب لاحق لعدم الايمان برسالة الرسول الذى ارسله الله اليهم ... اما لباس الجوع والخوف كان نتيجة لما يصنعون (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ) والترتيب الالهى واضح بداية الجوع والخوف ولما لم يتعظوا أخذهم العذاب
فأى قرية اخذها الله بالعذاب بعد أن أصابها بالجوع والخوف؟؟
التفسير السائد أن هذه القرية هى أم القرى مكة عند ابن كثير - ابن عجيبة - الفيروزابادى
واهل التفاسير وأولهم الطبرى على قول ان الرسول الذى اتاهم هو محمد بن عبد الله .. فهل اخذ الله أهل مكة على تكذيبهم للرسول بعد أن البسهم الله لباس الخوف والجوع حيث نقل الطبرى عن اقوال ابن عباس ومجاهد وقتاده وابن زيد
ولكنى اعترض على كون تلك القرية التى جاءت مُنكرة بدون تعريف (قرية) هى قرية ما، يضرب الله بها مثلا للمشركين العرب وذلك ضرب على الحقيقة وليس وهم خيال فقد كانت هناك قرية تتصف بتلك الصفات وبدل الله حالها الى النقيض من الوفرة الى الجوع القُحّ ومن الطمأنينة الى الخوف حتى أخذهم العذاب
"وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا"
فالحرم الآمن يُجبى اليه ثمرات كل شئ ولم يتوقف لا قبيل ولا بعد بعثة النبى " لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)" سورة قريش - ويذكرون ان رسول الله قد دعا على مشركي قريش وقال : اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، فابتلوا بالقحط حتى أكلوا العظام ، ووجه إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما ففرق فيهم . (عند القرطبى وابن كثير)
ويعضد الرأى المخالف لأقوال المفسرين هو ذكر نفس المفسرين لرأى مخالف بأن تلك القرية هى المدينة (وقد قيل : إنها المدينة ، آمنت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم كفرت بأنعم الله لقتل عثمان بن عفان ، وما حدث بها بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفتن . وهذا قول عائشة وحفصة زوجي النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا بعيد جدا خصوصا ذكر الخليفة عثمان فى ذلك الفهم
ولم يأخذ بأى من الرأيين الزمخشرى - الرازى - الشوكانى -
لكن الاية التالية فى الترتيب القرآنى بالمصحف تمنع ذلك وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ فمن هو الرسول الذى جاء الى أهل مكة فاخذهم الله بالعذاب ؟؟؟؟
وببعض التعمق فى البحث عند المفسرين نجد اسماعيل حقى فى تفسيره روح البيان قد نص على اسم القرية بأنها من الأولين قرية اسمها ايلة بين يُنبع ومصر ولا يشغلنا تقصى ما لا يستقصى
ليست المشكلة فى اختلاف المفسرين فقط .. المشكلة من اين يأتون بهذه التفسيرات العجيبة هل لكون قريش قد أطعمهم الله من جوع وآمنهم من خوف على مدار الزمن قبل البعثة النبوية وابانها يصبحون هم مكة وغير مشهور على الاطلاق حالة الجوع التى مرت بها قريش واطعمها رسول الله والتاريخ النبوى فى مكة قبل الهجرة لم يبين لنا وفرة مالية واقتصاد رخاء لمسلمى مكة وللرسول حتى يكون بإمكان الرسول اطعام مكة أو قريش كلها ولتقرأ تصريح ابن كثير
"فأذاقها الله لباس الجوع والخوف" أي ألبسها وأذاقها الجوع بعد أن كان يجبى إليهم ثمرات كل شيء ويأتيها رزقها رغدا من كل مكان وذلك أنهم استعصوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا خلافه فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء لهم فأكلوا العلهز وهو وبر البعير يخلط بدمه إذا نحروه وقوله والخوف وذلك أنهم بدلوا بأمنهم خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين هاجروا إلى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه وجعلوا كل ما لهم في سفال ودمار ، حتى فتحها الله عليهم وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم وتكذيبهم الرسول الذي بعثه الله فيهم منهم ، وامتن به عليهم"
وعند القرطبى "وضرب الله مثلا قرية هذا متصل بذكر المشركين . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا على مشركي قريش وقال : اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف . فابتلوا بالقحط حتى أكلوا العظام ، ووجه إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما ففرق فيهم .
كانت آمنة لا يهاج أهلها مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان من البر والبحر ; نظيره يجبى إليه ثمرات كل شيء الآية .
فكفرت بأنعم الله الأنعم : جمع النعمة ; كالأشد جمع الشدة . وقيل : جمع نعمى ; مثل بؤسى وأبؤس . وهذا الكفران تكذيب بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فأذاقها الله أي أذاق أهلها لباس الجوع والخوف سماه لباسا لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس بما كانوا يصنعون أي من الكفر والمعاصي ."
وأزيدك شيئا من التناقضات ما ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية
"وذكر البيهقي ها هنا دعاء النبي ﷺ على قريش حين استعصت عليه بسبع مثل سبع يوسف وأورد ما أخرجاه في (الصحيحين) من طريق الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن ابن مسعود.
قال: خمس مضين؛ اللزام والروم، والدخان، والبطشة، والقمر، وفي رواية عن ابن مسعود.
قال: إن قريشا، لما استعصت على رسول الله ﷺ وأبطئوا عن الإسلام.
قال: «اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف».
قال: فأصابتهم سنة حتى فحصت كل شيء، حتى أكلوا الجيف والميتة وحتى أن أحدهم كان يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع.
ثم دعا فكشف الله عنهم، ثم قرأ عبد الله هذه الآية: { إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ } [الدخان: 15] قال: فعادوا فكفروا فأخروا إلى يوم القيامة - أو قال: فأخروا إلى يوم بدر -.
قال عبد الله: إن ذلك لو كان يوم القيامة كان لا يكشف عنهم: { يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ } [الدخان: 16] قال يوم بدر.
وفي رواية عنه.
قال: لما رأى رسول الله ﷺ من الناس إدبارا.
قال: «اللهم سبع كسبع يوسف» فأخذتهم سنة حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام.
فجاءه أبو سفيان وناس من أهل مكة فقالوا: يا محمد إنك تزعم أنك بعثت رحمة وأن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم.
فدعا رسول الله ﷺ فسقوا الغيث، فأطبقت عليهم سبعا فشكا الناس كثرة المطر.
فقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» فانجذب السحاب عن رأسه فسقى الناس حولهم.
قال: لقد مضت آية الدخان - وهو الجوع الذي أصابهم - وذلك قوله: { إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون } وآية الروم، والبطشة الكبرى، وانشقاق القمر، وذلك كله يوم بدر.
قال البيهقي: يريد - والله أعلم - البطشة الكبرى والدخان وآية اللزام كلها حصلت ببدر.
قال: وقد أشار البخاري إلى هذه الرواية.
ثم أورد من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس.
قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله ﷺ يستغيث من الجوع لأنهم لم يجدوا شيئا حتى أكلوا العهن، فأنزل الله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } [المؤمنون: 76] .
قال: فدعا رسول الله ﷺ حتى فرج الله عنهم.
ثم قال الحافظ البيهقي: وقد روى في قصة أبي سفيان ما دل على أن ذلك بعد الهجرة، ولعله كان مرتين والله أعلم."
ما اورده ابن كثير كان قبل حادثة الاسراء وكان بعد حصار النبى وبنى هاشم فى شعب ابى طالب مدة ثلاثة سنوات بدءا من السنة السابعة للبعثة عند ابن القيم
ودعنا نعد بعض التناقضات
- ابو سفيان لم يكن له ذكر أو أهمية أو اى دور سياسى أو عسكرى فى الاحداث الا بعد غزوة بدر واستلامة الزعامة بعد مقتل كبار صناديد قريش وخاصة أبا جهل عمرو ابن هشام
ولعلك تذكر دوره قبيل غزوة بدر حين كان يقود قوافل التجارة وهى القافلة التى كانت سببا فى قيام الحرب وموقعة بدر
اذا كان الجوع الذى اصاب قريشا بعد الهجرة فلا نظن وقوع الدعاء من الرسول برفع الجوع عنهم .. ويزيد الطين بله ذكر البغوى فى تفسيره للآية ان دعاء الرسول فيهم اصابهم مدة سبع سنوات
هناك اضطراب شديد فى روايات الجوع أكانت قبل الهجرة أم بعد الهجرة وهو ما يستلزم بحثا متعمقا فى عدد من المراجع لضبط الروايات ان صحت
وهناك اضطراب فى فهم ضرب الله عز وجل للأمثال فى الكتاب العزيز
الاضطراب الأشد هو تمسك بعض المشايخ الواقف دورهم عند نقل ما يقرأون دون تتبع أو استقصاء أو تدبر كشيخ طريقة صوفية حيث سمعته يقوم بتفسير الاية على انها مكة ومن المعلوم أن نشر مثل هذا الفهم الخاطئ بين مئات من المريدين ظانين انه علم كشفى من شأنه توسيع دائرة التحريف ونقل ايات الله الى منطقة مظلمة من الإبهام والعلم الغير صحيح والعمل على نشر مقلوب الحقيقة كعادة كثير ممن ينقلون تفسيرات مخالفة للعلم فى لقاءات تليفزيزنية أو عبر وسائل التواصل وعلى رأسها اليوتيوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق