السبت، 25 يونيو 2022

احصاء اسم رب العالمين : الرحمن 2


من الذى يعذب

وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِبۡرَٰهِيمَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيًّا  إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡ‍ٔٗا  يَٰٓأَبَتِ إِنِّي قَدۡ جَآءَنِي مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ يَأۡتِكَ فَٱتَّبِعۡنِيٓ أَهۡدِكَ صِرَٰطٗا سَوِيّٗا  يَٰٓأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ عَصِيّٗا يَٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا  قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِي يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ وَٱهۡجُرۡنِي مَلِيّٗا  قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا  وَأَعۡتَزِلُكُمۡ وَمَا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدۡعُواْ رَبِّي عَسَىٰٓ أَلَّآ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّٗا (مريم 41-48)

الرحمن والعذاب

اغرب ما قد تسمع في تفسير قول ابراهيم لأبيه: يَٰأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَٰنِ وَلِيًّا (مريم 45)

فهذه الآية مشكلة عند من ظنوا وادعوا ان الرحمن هو صفة الرحمة المطلقة فكيف يتم اقترانها بالعذاب وأن تخويف الكافر بالعذاب من باب الرحمة فعجبا يقولون فليس في العذاب رحمة كما يدعى البعض وكل ما يقال في ذلك هو سفسطة ونوع من انواع التحايل على المعانى وغسيل للدماغ للخروج من المأزق طالما ان المتلقى يعتقد فى قداسة كلام العلماء 

على سبيل المثال تجد الشيخ الشعراوى في تفسيره (الجامع لكل اقوال من سبقوه)  للآية (مريم 45) قد أغفل تماما ذكر الرحمن في الاية وكأنه غير موجود لا بصفة رحمة ولا بفعل العذاب

ونفس الشئ عند الشوكانى في كتابه فتح القدير – عند القرطبى الجامع لأحكام القران -  وتجد ابن كثير قد سمى الرحمن في تفسيره باسم (ربه) الرب وقد سمى ابراهيم باسم خليل الرحمن





(فهل ابن كثير يعرف الله بانه الرحمن وانه ليس صفة بل اسم مستقل يدل على الذات ؟؟؟ هذا بحث اخر يتعين ان تطلع عليه )

وهكذا تجرى التفاسير في اغلب ما يخص الرحمن في الايات مكتفين بتفسيره في البسملة بما يغنى عن الاعادة ولا تجد لماذا كان العذاب هنا مرتبطا بالرحمن .. لن تجد لها حلا عند المفسرين وفطاحل العلماء وذلك لانهم اسسوا لقاعدة ينسفها القران وهو كون الرحمن مشتق من الرحمة وفعله هو الرحمة فهذا الاسم عندهم مجرد صفة ويعجزون عن تفسير اى شئ ينافى الرحمة فى الايات القرانية 

ولعلى فيما وجدت اثناء بحثى الدكتور عقيل حسين الذى أراد ان يتصدر الموضوع فسقط في القاع !!!!

يقول الدكتور عقيل حسين عقيل في كتابه موسوعة اسماء الله الحسنى واثرها في استخلاف الانسان في الأرض  الجزء 1 صــ 145 في شرحه لتلك الآية

((ان العذاب كان مفترضا من ابراهيم وليس متحققا ولهذا قال (أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ) على الظن وليس على اليقين وغلب الظن على اليقين في هذا العذاب باستعمال لفظ الرحمن رأفة بأبيه وعطفا عليه وكأنه يريد أن يقول: ان في داخله لا يتمنى أن يحدث هذا العذاب لأبيه مستعملا صيغة الرحمة للدلالة على هذه الأمنية ذلك ان العذاب في حالة تحققه هو حرمان من رحمة الله تعالى ))

يبدوا ان ابراهيم النبى الرسول الأمة الإمام الذى يعتقده الدكتور كان جاهلا بصفات الله تعالى وتحققها فالرحمن عنده يعذب بطريقة عجيبة بأن لا يناله مدد من تلك الصفة وأن تمتنع تلك الصفة الالهية عن ان تمد أبا ابراهيم بمدد منها ... فاذا امتنعت الصفة وامتنع الاسم فهذا لا يعنى تحقق العذاب اذ يستلزم دخول صفة إلهية اخرى وفعل الهى لحصول ابا ابراهيم على جزاء كفره بالله  مثل : ذو انتقام .. ذو البطش الشديد .. القهار .. وامثال ذلك مما فيه عقاب الهى للكافرين

حسنا كيف سيكون الحال للخروج من تلك الآيات التى تسبب مآزق متكررة عند اصحاب ذلك الفهم

قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ (الأنبياء 42)

ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمْ شَيْءًا وَلَا يُنقِذُونِ (يس 23)

أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ إِنِ الْكَٰفِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (الملك 20)

يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا (مريم 85       )

لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا (مريم 87)

يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا

يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا     (طه 9)

قَالُوا يَٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (يس 52)

فهذه الآيات فيها من الويل والتخويف ما يبعدك عن الأمل بالرحمة بل الخشية من العذاب

فلم يعد مقبولا ان نستمر في تقبل دخول زيد في عبيد وعبيد في مسعود ومسعود في زيدان ليصبح الأمر نوع من العك والخلط الغير مستثاغ  الغير مقنع والغير مفيد والذى أدى الى وقوع المسلمين في الالحاد في اسماء الله الحسنى كأن يخبروك باللطيف في العذاب والرحمة بالقهر والانتقام بالتفويض وامثال ذلك 

لقد ارتقى العقل البشرى عن تلك المرحلة الفكرية الصحراوية حين كان التعليم والفكر مقصورا على عدد بسيط من الناس ليستعبدوا افكار البقية وليحتكروا اعتقادهم وافهامهم محاولين ومستمرين فى فرضها فرضا على  جموع من الناس تبتعد تماما عن المراجعة والبحث والتدقيق

ان مدلول كل تلك الايات التى محلها الويل والخشية والحشر الى الرحمن ذو الجلال والاكرام كلها تضاد وصفهم بكون الرحمن صفة رحمة في غياب مطلق للصفة وللاسم الرحيم التى ستكون لصيقة بالمؤمنين فقط فان تعلق الرحيم بالمؤمنين فقط معناه ان تلك الصفة الرحمن لن تتحقق ابدا في الاخرة بل ستختفى وينتهى اثرها تماما بدخول اهل الجنة للجنة بمقتضيات اسم الله الرحيم حسب زعمهم .. فهل اسماء الله محدودة الأجل وليست أبد

ان كان الرحمن عندهم هو خالق الكون (كما سنبين فى مدارات وفصول اخرى من البحث) وان الجنة التى خلقها الرحمن (بوصفها جزء من الكون) ستظل ابدية فهل الرحمن ستنتهى مهمته بعد وصول الناس الى نهايتهم فى جنه او نار .. وكيف تنتهى المهمة والجنة والنار باقيتان ابدا.

ويضيف الدكتور عقيل : ((ان سياقات العذاب في آيات الوعيد التى ارتبطت بالرحمن ستنتهى في النهاية الى شكل من اشكال الرحمة فهو عذاب ظاهرى على شكل توعد وليس عذابا متحققا ولهذا اتبع الله تعالى كل سياقات العذاب سياقا من سياقات الرحمة أو سبقه به اذ يقول تعالى فَلَا تَعۡجَلۡ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمۡ عَدّٗا يَوۡمَ نَحۡشُرُ ٱلۡمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ وَفۡدٗا وَنَسُوقُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرۡدٗا  (مريم 84 - 86) ))

ما يقول به الدكتور عقيل كارثة ولا أدرى كيف اتى بتلك الفكرة المجنونة فإن الدكتور يقول أن العذاب هو توعد بالعذاب .. انى أخيفك فقط ولست معذبك فصفة الرحمة (الرحمن) يستحيل أن تعذب وهذا مخالف تماما لنص الاية ويخالف اى فهم يمكن ان يستخلصه ذو لُب

فكيف يساق المجرمين الى جهنم وردا  (وَنَسُوقُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرۡدٗا ) ولو قام كل ذو عقل بفهم الورود (يرد - وردا) بل عليك ان تعدد انواع واشكال العذاب وتعبيراته فى ايات الذكر الحكيم لتجد ان هذا الإفهام من الدكتور عقيل هو نوع من التدليس والتلبيس وفيه إنكار لعقيدة الثواب والعقاب .. فالعذاب واقع حقيقة لا مجازا ، ماديا وليس فقط نفسيا وذهنيا أو كون العذاب يوم الحساب هو نوع من انواع التهديد والتخويف !!!!!

وانه لا عذاب وان الوعيد الالهى مجرد تخويف

عود على بدء:

وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِبۡرَٰهِيمَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيًّا ٤١ إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡ‍ٔٗا ٤٢ يَٰٓأَبَتِ إِنِّي قَدۡ جَآءَنِي مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ يَأۡتِكَ فَٱتَّبِعۡنِيٓ أَهۡدِكَ صِرَٰطٗا سَوِيّٗا ٤٣ يَٰٓأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ عَصِيّٗا ٤٤ يَٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا ٤٥ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِي يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ وَٱهۡجُرۡنِي مَلِيّٗا ٤٦ قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا ٤٧ وَأَعۡتَزِلُكُمۡ وَمَا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدۡعُواْ رَبِّي عَسَىٰٓ أَلَّآ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّٗا (مريم 41-48)

دعنا نعيد النظر في الايات المتلوة في سورة مريم 41-48 وهى تخص قول ابراهيم لابيه آذار فسوف تجد ذكر الرحمن فى مجموعة الايات 

1- عصيان الشيطان للرحمن (لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ عَصِيّٗا) هل يشير مدلول الاية الى كون الشيطان عاصيا لصفة الرحمة الالهية أم ان الشيطان عاصيا لله ذاته عز وجل – بمعنى ان الرحمن اسم علم لله عز وجل)

2- ارتباط العذاب بالرحمن (أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ) هل المقصود بالرحمن صفة الرحمة الالهية التى وزعها الله على كل عباده في الدنيا وبالقطع تشير الاية الى عذاب مستقبلى يكون في الاخرة وهذا العذاب يكون صادر من الرحمن الذى هو أساس الرحمة والحنان والرقة – وهذا مفهوم خاطئ

تابع القراءة لتستخلص التالى :

1-   جاء ذكر الرحمن في تلك القصة عدد 2 مرة كأول تسمية لله عز وجل

2-   جاء ذكر ربى في تلك القصة عدد 2 مرة

3-   جاء ذكر الله في تلك القصة عدد 1 مرة

انت يمكنك ان تستخلص بسهولة 3 اسماء الهية من تلك القصة كلها تعريف من ابراهيم لإلهه الذى يعبده من دون قومه وحدد اسماؤه فى الرحمن – ربى (الرب) – الله

 من الذى يعذب

علينا استقصاء مادة عذب في القران ومشتقاتها التى هى قرابة 30 مفردة والبحث فيها عن القائم بالعذاب فمن هو الذى يعذب الله -  القدوس - البصير – ذو انتقام – الضار – الحليم – الصبور

بالطبع سنختصر الاجابة فالعذاب بحث مستقل عندى وعليك فقط أن تعاود قراءة آيات العذاب ومشتقات عذب في القران وستجد الاجابة بسيطة جدا ان الذى يعذب عباده هو الله – الرب – الرحمن

من الذى يُعصى

عليك ايضا ان نتقصى ايات القران لترى التعبير الالهى عمن يتم عصيانه فى القران 

مادة عصى ومشتقاتها فيما يخص نعم المولى عز وجل (وليس الرسل)

ستجد نفس الاجابة الله - الرب - الرحمن

وأن الرحمن لازم وله ذات خصوصية الاسم الله والاسم الرب بما يخرجه عن كونه مجرد صفة واسم مشتق من الرحمة 

ونكتفى بهذا الجزء للاعتبار وعليك مراجعة كل ما قمت بالاشارة اليه

ليست هناك تعليقات: