ذكر الحافظ ابن الجوزى فى كتابه تلبيس ابليس فى الباب الحادى عشر - فى ذكر ابليس على المتدينين بما يشبه الكرامات
قال : قد بينا فيما تقدم أن إبليس إنما يتمكن من الإنسان عَلَى قدر قلة العلم فكلما قل علم الإنسان كثر تمكن إبليس مِنْهُ وكلما كثر العلم قل تمكنه مِنْهُ ومن العباد من يرى ضوءا أَوْ نورا فِي السماء فَإِن كان رمضان قَالَ رأيت ليلة القدر وإن كان فِي غيره قَالَ قد فتحت لي أبواب السماء وَقَدْ يتفق لَهُ الشيء الذي يطلبه فيظن ذلك كرامة وربما كان اتفاقا وربما كان اختبارا وربما كان من خدع إبليس والعاقل لا يساكن شيئا من هَذَا ولو كان كرامة
وبدأ ابن الجوزى يشرع فى قصة الحارث الكذاب .. يمكنك قراءتها من الكتاب مباشرة صــ 366 الى 368 طبعة دار القلم بيروت
وهى قصة شاب عابد وكان له كلام حسن فى الحمد على الله يعجب السامعون وقد تخوف مما كان يتراءى له ان يكون من فعل الشيطان فكتب الى ابيه فاجابه وكتب إليه يا بني أقبل عَلَى مَا أمرت به إن اللَّه يَقُول: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} ولست بأفاك ولا أثيم فأمض لما أمرت به!!!!
وكان الحارس يخبر الناس بأمورهم التى تغيب عن غيرهم وكان يأتي إِلَى رخامة فِي المسجد فينقرها بيده فتسبح وكان يطعمهم فاكهة الصيف فِي الشتاء ويقول أخرجوا حتى أريكم الملائكة فيخرجهم إِلَى دير المران فيريهم رجالا عَلَى خيل فتبعه بِشْر كثير وفشى الأمر وكثر أصحابه بوصفه نبى ووصل خبره الى حاكم المسلمين عبد الملك ابن مروان ودُس عليه رجلا من البصرة ادعى انه آمن بنبوته حتى عرف حال الحارث ومداخله ومخارجه وتم القبض عليه فى كمين
وروى أَبُو الربيع عَنْ شيخ أدرك القدماء قَالَ لما حمل الحارث عَلَى البريد وجعلت فِي عنقه جامعة من حديد وجمعت يده إِلَى عنقه فأشرف عَلَى عقبة بيت المقدس تلى هذه الآية: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} فتقلقلت الجامعة ثم سقطت من يده ورقبته إِلَى الأَرْض فوثب الحرس الذين كانوا معه فأعادوها عَلَيْهِ ثم ساروا به فلما أشرفوا عَلَى عقبة أخرى قرأ آية فسقطت من رقبته ويده عَلَى الأَرْض فأعادوها عَلَيْهِ فلما قدموا عَلَى عَبْد الملك حبسه وأمر رجالا من أهل الفقه والعلم أن يعظوه ويخوفوه الله ويعلموه أن هَذَا من الشَّيْطَان فأبى أن يقبل منهم فصلب وجاء رجل بحربة فطعنه فانثنت فتكلم الناس وقالوا مَا ينبغي لمثل هَذَا أن يقتل ثم أتاه حرسه برمح دقيق فطعنه بين ضلعين من أضلاعه ثم هزه وأنفذه وسمعت من قَالَ قَالَ عَبْد الملك للذي ضربه بالحربة لما أنثنت: أذكرت اللَّه حين طعنته قَالَ نسيت قَالَ فأذكر الله ثم اطعنه ذكر الله ثم طعنه فأنفذها
انتهت القصة بالقتل وكان من رأى خالد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة دعندما خل عَلَى عَبْد الملك بْن مروان فَقَالَ لو حضرتك مَا أمرتك بقتله قَالَ ولم قَالَ إنما كان به المذهب فلو جوعته ذهب عنه
وقد جرت هذه الحادثة عام 79 هجريا ويمكنك مراجعة القصة بتدقيق آخر فى كتاب البداية والنهاية للحافظ بن كثير احداث سنة 79 هجريا
البداية والنهاية الجزء التاسع صـ 168 طبعة وزارة الاوقاف بقطر
هل الحارث كان مؤيدا بأمر الهى بوصف نبى أو رسول أو مصلح دينى او اجتماعى .. لقد سبح بين يديه الرخام وكشف للناس عن رؤية الملائكة (مش ملائكة طبعا) وكلام أبيه الجميل له: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} ولست بأفاك ولا أثيم فأمض لما أمرت به!!!!
هل فى زمننا الحديث لو تكرر ذلك لرجل لحكمنا عليه بشدة الصلاح وقلنا معجزات معجزات .. كما وصف لممثل حسن حامد فى فيلم رابعة العدوية وهو يسند يده المشلولة متكلما عنها معجزات يا عالم معجزات
وكما وصفوا رابعة العدوية فى قصتها الحقيقية حيث قالت: يبلغني أنهم يقولون إني أجد الدراهم تحت مصلاي ويطبخ لي القدر بغير نار ولو رأيت مثل هَذَا فزعت مِنْهُ قالت فقلت لها إن الناس يكثرون فيك القول يقولون إن رابعة تصيب فِي منزلها الطعام والشراب فهل تجدين شيئا فيه قالت يا ابنة أخي لو وجدت فِي منزلي شيئا مَا مسسته ولا وضعت يدي عَلَيْهِ
ويروى عنها قولها إنها أصبحت يوما صائمة فِي يوم بارد قالت فنازعتني نفسي إِلَى شيء من الطعام السخن أفطر عَلَيْهِ وكان عندي شحم فقلت لو كان عندي بصل أَوْ كراث عالجته فَإِذَا عصفور قد جاء فسقط عَلَى المثقب فِي منقاره بصلة فلما رأيته أضربت عما أردت وخفت أن يكون من الشَّيْطَان
هذا هو حال المتقين الذين يراقبون احوالهم يتهمون كل شئ يبدو خارقا نحوهم دون ان يدعوا ان هذا من خيريتهم وصلاحهم وان هذا تسخير الهى وتصريف لشئونهم بخرق العادات فى كل أمورهم
واذا طالعت اشهر كتاب فى التلبيس على الناس وخداعهم بذكر اقوالهم مستحيلة والتى لم يؤيد الله بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو كتاب الطبقات الكبرى لعبد الوهاب الشعرانى لأدركت أن ثمة مؤامرة تم حياكتها بدقى لتغييب عقول الناس لتعظيم اشخاص اشتهر بين الناس صلاحهم ليتم افساد عقيدة الناس وتأسيس اصطلاحات الكرامات والتصرف فى الكون لتأسيس قدسية خاصة لمشايخ الطرق بوصفه ورثة النبوة وان الاولياء على درجة الانبياء لكن لا يوحى لهم بشرع جديد وامثال من هذا القبيل الذى يساوى بين من فضله الله (من المرسلين (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) وبين تفضيلات الناس للأشخاص ( فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ) وفى هذا تعدى على الجناب الالهى
وطبعا قد يخرج علينا مناقض لتلك الاراء من مشايخ الطرق فيكون ابسط رد يوجهه اليك : انت لا تعلم
فما الذى يعلمه الشيخ ولا يصرح به وان صرح به لا تجد عليه دليلا ولو آتاك بآية قرآنية لوجدت تفسيرها مُحرفا وخاليا تماما عن اى معنى للآية والفاظها ودلالتها ولو عارضته قال لك هذا علم لدنى وان عارضته قال لك من جديد : انت لا تعلم شيئا
وينسى دائما الدارسون فى التصوف وعلماء التصوف ومشايخ التصوف التأسيس للفظة العلم ولفظة المعرفة وماهية المعلومة
فشتان بين ان تصف العلم كعلم وكتاب كامل متخصص وبين ان تصف المعلومة كمعلومة .. لكن اغلبهم فى حكاياتهم الدارجة يدلون بالمعلومات على انها علم كامل وفرع من المعارف جاهلين شروط تحقق العلم وتوصيفه
ومن اكبر الأكاذيب التى يدعيها هؤلاء هو اكذوبة العلم اللدنى الذى أسس له الغزالى وكتب فيه بداية الرسالة اللدنية
والحقيقة ان هناك عبدا (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) وهو العبد الصالح بسورة الكهف والمشتهر عند كل الناس باسم الخَضِرفما تعلمه الخضر شئ (علم لدنى) وما يكرره مشايخ الطرق (علم لدنى) شئ آخر تماما
وحتما سنعود يوما لتفنيد تلك المقولة واثبات عدم صحة اطلاقها بالوصف الصوفى وتباينها مع حالة العبد الصالح
النفس والشيطان وكلاهما صاحبان لك مع الفارق بينهما فلكل منهما غرض وطريقة ووظيفة لتحقيق ذلك الغرض
وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ يوسف 53
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق