الجمعة، 5 يوليو 2013

ذاكرة الوعل 1 - 7

ذاكرة الوعل 
للشاعر فريد أبو سعدة 


واحد من أروع الدواوين الشعرية التى قرأتها منذ سنوات ولم أزل أعاود معها ممارسة القراءة والرؤية 

الديوان مقسم على سبعة فصول سيتم عرض كل جزء بشكل منفصل


إلى امرأةٍ
تقودني كضريرٍ
فأرى ما لا يُرى
وأسمعُ ما لا تسمعون


1- أَهُوُجٍ*



* من أسماء الله في اللغة السوريانية بمعنى
الواحد الأحد

1 أوَّلُ الدنيا الأحد

2 راحت تصلّي حتى ظهر لها رجلٌ من الذهب الإبريز، انحنى وقال أنا خادم الأحد واسمي "المُذَهَّبُ"
قالت: هل جاء رقيائيل
أشار لها فرأت من النافذة قبَّةً من سندس أخضر وعليها لواء أخضر، وباب القبَّة مفتوح وعنده خمسة أعوانٍ قائمون، لابسون ثيابًا خضرًا
ورأت الملاك يروح ويجيء أمام القبّة بينما ينصبون له كرسيًّا من نور

3 قالت: تباركت الشمسُ، والسّاكنُ بفلكها،الآخذُ بناصيةِ خدّام يومها؛ الأحدُ،الألفُ، الذهبُ، الحارُّ اليابسُ.
تباركت أيّها السّعُد المحضُ، مُحَرِّكُ الغريزةِ ومسخَّنُ الباردِ، معدّلُ الأمزجةِ ومنعش الرطوبات.
ثم خرجت فانحنى الخدّام ومن تحت إمرتهم من خلقٍ عظيم يملأ السهل والجبال
هشَّ لها رقيائيل وأجلسها معه على الكرسيّ
: مريني تجديني من القادرين
قالت: جمعتُ أشلاءه من الجهات وروحه فيّ بماذا أبدأ
قال : عناصره يصرها الماءُ الحارُّ، دموعُكِ ستة أيام

4 ظَهَرتْ لي في الحلم امرأةٌ، تدور حولي عارية،
وشعرها محلول، ثم تقف على رأسي وتصرخ:
سأشعلُ النار في الجنّة، وأسكبُ الماء على النار،
ثم تبكي حتى يطفو سريري على الماء ظلّت ستّة أيام تفعل وأصحو مبتلا
فقلتُ لها: من أنتِ
قالتْ: أنا هي
قلتْ: لا أذكر
قالت: سأمدك بذاكرة الموتى وأقيمك في ذاكرة الوعل

5 دارتْ حول الجسد، ثم وقفتْ مباعدةً ما بين ساقيها على رأسه، تتجّولُ عيناها على الأفاريز الغائرةِ بالرسوم والكلام
صفَّقَتْ فهبطت من الرسوم بنتان
صفَّقَتْ
فهرول عجوزٌ
صفّقَتْ
فطارت الصقوُر من هيئتها، تحوّم في سقف الغارِ، وتصطفُّ حول الجسد

6 دخلتْ العاشقةُ فهلَّلتْ لها ثلاثُ بومات، ومضى خلفها عجوزٌ يحمل صندوقـًا، عن يمينه وشماله بنتان بكران، في يد كلًّ شمعة
تقدم الجميع وانحنت العاشقةُ على الجسدِ
المجموع كأرض مشقّقةٍ، ثم استدارتْ إلى العجوز، فتحت الصندوق فتطاير في المكان سربٌ من الفراشات، تتلامع في الضوءِ الشحيحِ وتغيّر ألوانها من آنٍ لآن.

7 رأيتُ الموتى عند قبورهم، يقفون في أكفانهم،
يستحلفون العابرين أن يدعوا لهم، وامرأةٌ تمرُّ
بأكفانها صائحةً:
أدخلنى بيت الخمرِ وعلمه فوقى محبّة، وعزّتك
وجلالك لئن أدخلتني النار لآخذنّ أشلاءه بيدي
وأدور بها على أهلِ النارِ أقولُ لهم وحّدتُهُ
فعذّبني

8 أشارتْ فتقدّمت البنتان، وضعت الحمراء شمعتها عند الرأس، ووضعت البيضاء شمعتها عند القدمين
أشارتْ فتقدمت البيضاءُ من الصندوق، رفعتْ
منه سعفةً، وسقطت على ركبتها تقبّله وتصلّي

9 أعلمُ أنك إلهٌ رءوفٌ ورحيمٌ، بطيءُ الغضبِ،
ونادم على الشّرِ أهوجٍ

10  أشارتْ العاشقةُ فسجدوا، ونهضتْ إلى الجسدِ
فقبّلتْ أشلاءه ثم دارت في المكان
أشارتْ إلى الشمالِ فخرجت الثعابينُ المختبئة
وإلى الجنوبِ فخرجت الخنافسُ
وإلى الشرقِ فانطلقتْ الخفافيشُ
وإلى الغربِ فخرجت الأرواحُ الشريرةُ تئزُّ وتولولُ
11  أطلقتْ البخور بطرقعة إصبعين، ثم رفعت عينيها إلى الرسوم فعادت البنات والعجوزُ والصقورُ إلى أماكنهم في الرسوم. حملت شمعة
ودارت حول الجسد تقول:
اخرج يا من حلَلَتَ مع الظلام
يا من أنفه في قفاه ووجهه في ظهره
اخرج يا من لن يجد ما دخل من أجله
هل جئت لتنزعه مني؟!
لا … لن أبيح لك ذلك
هيأت له ما يكفيه شرّك؛
من نبات (إفت) الذي تتألمُ به
ومن (البصل) الذي تتأذى منه
ومن (الشهد) الذي هو حلوٌ مذاقه
للأحياءِ
مرٌّ مذاقه للموتى
ومن حراشيف سمك (أبدو)
ومن فك (مررت) ومن سلسلة السمكة
آمين
12  حَبكتْ حول ردفيها القميص وهي تعبر
الشارع، كانت خائفة من احتكاك العتمة بها.

13  انحنتْ بين ساقيه، أخيرا بدا الجسد كاملا وممزّقًا في آن، ماضيًا في جلاله، متوحدًا بالصمت، في انتظار معجزة

14  سوف تخفيه عن أعين الطالبين، وسوف تضلَّلُ
كلّ الطيور فتحسبه وردةً، أو تراهُ المياهُ كمرجٍ
من الياسمين، ستخفيه ثم تواصل بين التعاويذِ رحلتها
سوف تمضي كخطًّ من الدمع حذو المياه 
لتعثر على ما يكمِّله واحدًا أحدًا

15  لستّة أيام تبكي وتصلّي، انتفض الهدهد وتخبّط
في سقف الغار: المعجزةالمعجزة

16  الدموع ترتق أعضاءه، ثم ترفو النسيج، رأت
جسدًا أحدًا يتمدّدُ فوق الرخامِ فلا هو حيٌّ ولا ميَّتٌ

17  يا من تملكين اسم الربّ الخفيّ وبه ملكتِ الأسرار
يا من باسمه تحرَّكين الرياح
وتملئين النهر الكبير كلما فرغ
أنت يا سيدة الجهات
يا من تطلعين من الماءِ كأعمدةٍ من دخانٍ
معطّرةٍ بالمرَّ واللبان
يا من تأمرين التماسيح فتلفظ صيدها عند الُمصلّي
أطفالا ضاحكين
احبسي دموعك قليلا
لئلا تطفو القرى على الماءِ كوردِ النيل

18  مياهٌ كثيرةٌ لا تستطيع أن تطفئ المحبّة، والسّيول
لا تغمرها

19  أنتِ
يا من تنامين على المياهِ وترفعين بأطرافك
الأربعة عرش الربّ
يا من تخرج من فمك ريحُ الشمالِ ومن
إبطيك تطلعُ النجوم
يا من تدخلين ذاكرة الربّ وتخرجين
يا من تقرئين ما يُخطُّ في اللوح وتقلَّبين أوراق
البشر الفانين
كفكفي دموعك؛ السماواتُ مبتّلةٌ والأرضُ
زلقةٌ، والجبالُ ترتعد تحت الماءِ كثلّةِ محمومين
أهُوجٍ … أهُوجْ

20  قالت: تباركت الشمسُ والسّاكنُ بفلكها
فابتسم الملاكُ لها وأشار فوجدت نفسها فوق
العشبِ وموكبه يمرقُ الهواء
وكان مساءٌ
وكان صباحٌ
يوما واحدًا، الأحدْ.





إشارات

"وضعتْ النار في يد والماء في يدها الأخرى
وراحت تقول سأشعل النار في الجنّة وأسكب
الماء على النار".
رابعة العدوية
"أدخلني بيت الخمر وعلمُهُ فوقي محّبة".
نشيد الإنشاد
"وعزّتك وجلالك لئن أدخلتني النار لآخذ
توحيدي بيدي وأدور به على أهل النار أقول
لهم وحّدته فعذبني".
عائشة بنت جعفر الصادق
9 "علمت أنك إلهٌ رءوف ورحيم، بطيء الغضب
وكثير الرحمةِ، ونادم على الشرّ".
يونان/ العهد القديم
11 "هّيا اخرج يا من تسللت إلى البيت خلسة في
الظلمة، يا من أنفه في قفاه ووجهه في ظهره،
يا من سوف لا يجد ما دخل من أجله، أسرعْ
فاخرج يا من حللت مع الظلام وأنفه في قفاه
ووجهه في ظهره، هل جئت لتضع على جبين
الطفل قبلة؟
لن أجيز لك أن تفعل
هل جئت لتروح عنه ما يعاني
لن أمكنك من أن تفعل
لن أخلي بينك وبينه لتضره، هل جئت لتنزعه
مني؟
لن أتيح لك أن تنزعه مني، لقد هيأت له
ما يكفيه شرك من نبات (إفت) الذي تتألم
به ومن (البصل) الذي أنت به تتأذى، ومن
(الشهد) الذي هو حلو مساغه للأحياء ومرٌّ
مذاقه لمن هم هناك من الأموات
ومن الحراشيف الشائكة من سمك (ابدو) ومن
فلك (مررت) ومن سلسلة السمكة".
تعويذة أم تدفع عن ابنها أشباح الظلام
(الفن الفرعوني/ ثروت عكاشة)
18 "مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول
لا تغمرها"

نشيد الإنشاد

ليست هناك تعليقات: