قد تبين لك فى الجزء الأول المنشور اختلاف شديد وتباين جلى فى ترجمة النص التوراتى للعهد القديم الخاص بخلق آدم على صورة الله عز وجل ومع التوسع فى البحث ستجده مرة هو مخلوق على صورة الله ومرة على صورة الملائكة ومرة على صورة البشر ومرة على صورة الملاك اسرافيل
من الواضح تباين عقيدة المترجمين ويبدو ان اى ترجمة معروضة لأى كتاب مقدس ( إلهى أو بشرى) لدى أى أمة لا يغنى أبدا عن النص الأصلى ومحاولة فهمه واستنطاقه ونهل مضمونه بلغته الأم التى نزل بها أو تم عرضه بها للمرة الأولى
وسأضرب مثالا بسيطا
لا توجد ترجمة للقرآن ومرفوض تماما وجود ترجمة للقران لأى لسان غير اللسان العربى ... فما هو متاح هو ترجمات لتفسير ومعانى القران وليس اى منها يحمل ترجمة صريحة للقران فانه يصعب جدا بل يستحيل ترجمة هذا النص الإلهى لما للسان العربى من خصوصية لسانية تباين كثير من التعبيرات الغير عربية ولما للقران من موسيقى روحانية غير مسبوقة
ربما يوجد فعلا اكثر من 200 ترجمة للقران تم عرضها وتصديرها لكافة ألسن البشر والأمم فلماذا قد تتعدد الترجمات الى لسان واحد اذا كان النص واحدا !!!
لماذا قد يقدم الباحث فعلا على تقديم ترجمة للقران بالانجليزية طالما ان المكتبات قد تحوى خمسة ترجمات سابقة مثلا
من أسياسيات البحث العلمى انك اذا خططت للبحث فى موضوع ما فيتعين عليك عند تجميع المصادر الاطلاع على ما سبق من أبحاث عالجت نفس النقطية البحثية التى تتناولها
فان وجدت بحثك يضاهى بحثا سابقا تم نشره فعليك ان تنتهى وتعود الى حيث وجدت وتكف عن بحثك الا اذا كان ما تقدمه جديد ويختلف ويبرهن على افكار وتوضيحات
حضرتك ممكن تقارن مثلا بين ترجمات للقران بالانجليزية لاكثر من مترجم وستجد تباين فى الطريقة والعقيدة والمنهج التى يعتمدها المترجم وستجد أن معلوماتك عن معانى الايات تختلف تماما او تقترب من أو تتطابق مع تلك الترجمات
وفى النهاية هى ترجمات غير موحدة لانها ذات طابع شخصى بحت
وان أردت أن تقترب من الفكرة فراجع التفسيرات الصوفية للقران فهى فى اغلبها لا علاقة لها بالمرة بالقران وايات الذكر بل تختلف وفقا لعقيدة الصوفى وأهوائه وتفاعله مع الآية مبتعدا عن المقصود الإلهى من الذكر الحكيم
ان تباين الترجمات لمعانى القران يدلل على ذات التباين لترجمات العهد القديم
فالعهد القديم المنشور بين ايدينا بالعربية هو ترجمة لانجيل الملك جيمس الذى هو ترجمة للعهد القديم باليونانية (الترجمة السبعينية) الذى هو ترجمة للعبرية
والكنيسة المصرية قد أخذت بالترجمة السبعينية ولم توارى نظرها عن الترجمة القبطية باللهجة البحيرية للترجمة السبعينية
أن ما هو متوافر بين أيدينا من ترجمة عربية للعهد القديم ما هو الا ترجمة لترجمة لترجمة .. وستجد الترجمة الانجليزية (المختلفة حسب المؤلف) لمعانى القران الكريم لا تعنى ان النص المعروض بالانجليزية هو نص القران الكريم فإن اعتبرته نصا لايات الكتاب فستشهد تحريفا صريحا للكتاب وعليه فانه ينبغى علينا عند تناول النص العربى للكتاب المقدس اعتباره ترجمة لمعانى نصوص الكتاب المقدس بدلا من طرح الاتهامات بأنه نص مزيف تم تحريفه بعناية لاختلاف النصوص من ترجمة الى اخرى
لقد أوضح القرآن الكريم طريقة تحريف اليهود لنصوص الكتاب المقدس (التوراة) من خلال لىّ السنتهم بكلمات تشبه فى نطقها طريقة نطق ايات التوراة أو عن تحريف الكلم عن مواضعه والتى قد يكون منها تأخير أو تقديم بعض الكلمات عن مواضعها وما قد يؤديه الى اختلاف المقصود باختلاف مواضع الكلمات
أما النص العربى للتوراة فحتما ستجده مغاير ومحرف من أول وهلة عند عرض أو مقارنة بين نصين
فهل يمكن لنا أن نطلق لفظ النص العربى لترجمة معانى نص التوراة بدلا من اعتباره نص التوراة بالعربية وهناك بون واسع بين المفهومين
ولا نطالب احد من الباحثين الحاليين او المستقبليين بتتبع ذلك لأن أمة اللسان العربى صاحبة العقيدة العلمية الاسلامية التتى تتبع آراء العلماء الأقدمون وتوصفياتهم لن تأخذ برأى عدل من شأنه تغيير النظرة الاسلامية الحالية لنصوص الكتاب المقدس ورفع شأنه عما هو عليه فى اعتقادهم من تحقير واستهانة بذلك النص الذى حتما يحوى من ضمن ما يحوى مجموعة لا يستهان بها من كلام الله
ان فصل التدخل البشرى فى الترجمات ومن ثم فى نص الكتاب (اى كتاب - الهى أو بشرى) أمر يصعب تطبيقه على نصوص الترجمات التوراتية
ولكى يستقيم الفهم ولا ينحرف عن الغرض والمقصود فدعنى اقدم لك بعض الترجمات المعتمدة لمعانى القران لتكون على بينة بأمثلة لما أعرض له من طرح
فلنستعرض سويا نص ترجمة معانى سورة الكوثر وهى الترجمة المسماه النسخة الدولية الصحيحة
وعقب كل نص سأعرض لك ترجمة جوجل للنص الانجليزى باللون الأحمر أو كيف يفهم القارئ الانجليزى للجملة الانجليزية المترجمة لمعنى الاية
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ
Indeed, We have granted you, [O Muhammad], al-Kawthar.
حقا نحن قد وهبناك يا محمد الكوثر
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
So pray to your Lord and sacrifice [to Him alone].
فادعو لربك وضحى (له وحده)
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ
Indeed, your enemy is the one cut off.
فى الواقع عدوك هو الذى انقطع
وعليه قد يتحول النص القرانى فجأة الى
لقد وهبناك الكوثر فادعو ربك وضحى له فعدوك هو الذى انقطع
ان هذا النص الاخير ليس هو نص القرآن
ولكى تكتمل الرؤية سأعرض لك ترجمة الأستاذ يوسف على للسورة وترجمة جوجل لترجمته
To thee have We granted the Fount (of Abundance)
لقد وهبنا لك ينبوع (من الكثرة)
Therefore to thy Lord turn in Prayer and Sacrifice
فانتقل إلى ربك في الصلاة والذبيحة
For he who hateth thee, he will be cut off (from Future Hope)
لمن يكرهك ينقطع (من أمل المستقبل)
هناك فرق لسانى (لغوى) بين الترجمتين العربيتين للنص الانجليزى المتباين
ستقول يشغلنا المعنى
ان العدو يختلف حتما عن الكاره ويأتى متحذلق ليقول لك لا بد وان كل عدو هو كاره لانك يكرهك وان كل كاره ربما يتحول الى عدو والدخول فى سفسطة (لا فلسفة)
وانا لا استطيع ان أجزم بمثل ذلك الا بعد بحث ودراسة وتأنى فاذا أردت ان تعرف من هو العدو من خلال الكتاب الحكيم فعليك مثلا بسورة البينة
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) ۞ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4)
تشير الايات الى حال المنافقين وانهم هم العدو واوضح صفاتهم وما قال فيهم انهم يحملون كرها للمؤمنين
وثمة أمثلة كثيرة لايات قرانية وضحت للمؤمنين من هو العدو وايات أُخر توضح الكره والكراهة .. ومن خلالها يمكنك توضيح وجود ارتباط أو عدم وجوده فهكذا نستقصى القران بمدلولاته ونتائجه وتعاليمه
ان اعادة ترجمة النص الانجليزى (لمعانى الايات القرآنية العربية) الى الفرنسية أو الأردية أو اللاتينية سيؤدى بك الى ترجمة لترجمة لترجمة معانى ايات القران ليؤدى بجاهل غير حاذق الى القول بتحريف الناس للقران وانه كتاب ملعوب فيه بأهواء البشر ومعتقداتهم وهذه هى نفس الناتج التى تنطق بها بعد قراءة النص العربى للتوراة
فالأمثلة التى قدمت لها وغيرها فى الترجمات المعتبرة لنصوص التوراة العبرانية أو الكنعانية أو نصوص العهد القديم فى الكتاب المقدس لدى الكنائس العربية لمن شأنه أن يدفعك دفعا للمتاهة الدلالية وعدم الوصول للحقيقة .. لذا فانى أرى ان الترجمات تمثل عائق لا يستهان به فى سعيك نحو الهدى والتبيان
وعليه فان تلك النتائج التى وضحتها واستقرت عندى من شأنها تسهيل كشف التناقض العقائدى الاسلامى فى موضوع خلق الانسان على صورة الله فالقران ينفى تماما وجود أى شبه بين الله وبين خلقه
ولعلنا نجد التصريح بذلك لا جدال فيه ولا مراء فيه اذا أخذنا مجموع الايات التى ترتبط به فى سورة الشورى
(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17))
هل قام علماء المسلمون بتفسير ومحاولة فهم مجموع الايات السابقة من 11- 17 تفسير مُجمل يشمل ربط تلك الايات معا بحبلها المتين أم اكتفينا بالتبعيض فلا ننطق الا بضع الاية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لتفسيرها بمعزل عن بقية الايات
وان كان ذلك ليس هدفنا لككنا فى عقيدتنا العامة التى نعلمها موروثة كانت أو مستحدثة فإننا جميعا على قناعة بأنه تعالى لا اله الا هو لا يتشابه وخلقه فى صورة أو جسم وهو تعالى منزه عن الشيئية فالله ليس بشئ وكل ما سواه (خلقه) أشياء
ولعل الامر لا يستقيم عند محاولة فك شفرات تلك الايات واستنطاقها استنطاق مفهوم لفظة الشئ واعتبار الشئ المادى والشئ الروحانى
عود على بدء:
ان الأخذ بالأحاديث النبوية الثابتة والتى صحت فى كتب الصحاح عن كون الانسان أو آدم مخلوق على صورة الرحمن تلقى بظلال ثقيلة محزنة جدا على باحث قد تتبع النصوص التوراتية أو بالأصح ترجمات التوراة
أما تقصى عقائد المسلمين وتتبعها فى فهمهم لتلك الأحاديث وتفسيرها فانه يطرحك تحت سيطرة ظلال اكثر كثافة من الحيرة وربما تؤدى بك الى طرح الموضوع كله جانبا والندم على استقصاؤه وتتبعه لكون النتائج النهائية التى قد تصل اليها ستحطم عندك صورة مثالية ذات شجون عجيب تجاه أشخاص كنا نعدهم من الأخيار
فهل انت مستعد عزيزى القارئ الى نبش قبر أجدادك المزعوم انهم قد دفنوا كنزهم فى اعماقه
أم انه فعلا ليس تحت القبة شيخ وما هو الا حمار قاما بدفنه سويا وخدعوا الناس بأنه قبر لولى من اولياء الله الصالحين !!